صحيفة "الصباح" التونسية - الأحد 25/06/2006
الانتخابات البرلمانيّة في الكويت وتعميق المسار الديمقراطي
* بقلم خالد الخلفان
بغضّ النظر عن النتائج التي ستُسفر عنها الانتخابات البرلمانيّة في الكويت يوم التاسع والعشرين من الشهر الجاري، فإنّ هذه الانتخابات ستكون تاريخيّة بكلّ المقاييس ليس على صعيد دولة الكويت وحسب وإنّما على صعيد المنطقة بأسرها بما جعلها محلّ اهتمام إقليمي ودولي واسع، باعتبارها مؤشّرا له دلالاته العميقة على مدى ترسيخ الممارسة الديمقراطيّة وحريّة التعبير ونموذج ينبغي الاحتذاء به في سائر الدول المجاورة لدولة الكويت..
ولا ريب أنّ أحد أهمّ العوامل التي جعلت من هذه الانتخابات محطّة ديمقراطيّة استثنائيّة هي مشاركة المرأة الكويتيّة لأوّل مرّة في الانتخابات التشريعيّة ترشيحا واقتراعا، لاسيّما وأنّ العدد الإجمالي للمنتخبين قد قفز إلى أكثر من الضعف عمّا كان عليه خلال الانتخابات السابقة لمجلس الأمة. والحقيقة أنّ ذلك لم يأت من فراغ، فهو لئن استند إلى التطوّر التدريجي للمجتمع الكويتي فإنّه جاء ليتوّج الحيويّة السياسيّة والحقوقيّة التي ما فتئ يشهدها هذا المجتمع المنفتح على الآخر والمتمسّك بقيمه وموروثه الثقافي والحضاري، فضلا عن المكانة اللائقة التي أضحت تتبوّأها المرأة الكويتيّة اجتماعيّا ومؤسّساتيّا عبر السنين.
وقد أصبح من المشهود للكويت بأنّ حيويّة مجتمعها المدني وتضافر جهود القيادة والحكومة في هذا المضمار قد أدّى إلى القبول بوصول المرأة الكويتيّة إلى مراكز القرار سواء على صعيد المنظمات وجمعيات النفع العام أو المؤسّسات التربويّة والجامعيّة أو على صعيد المؤسّسات الاقتصاديّة أو وصولا إلى المؤسّسات السياسيّة بتعيين امرأة على رأس إحدى الوزارات.. ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا اختارت الكويت أن تخوض المرأة الكويتية غمار الانتخابات بشكل كامل غير منقوص، فتجنّبت اعتماد نظام انتخابي تمييزي عبر طريقة "الكوتة" أو الحصص التي تكرّس في المحصلة النظرة الدونيّة للمرأة، فتمّ إذن إعطاء الثقة في المرأة الكويتيّة وتميّزها وقدرتها على تحقيق إنجازات ومكاسب جديدة وذلك أيضا بالتوافق مع الأهداف الإستراتيجيّة البعيدة المدى التي استندت إليها السلطة التشريعيّة الكويتيّة...
تستمدّ هذه الانتخابات أهميّتها كذلك بأنّها أوّل محطّة انتخابيّة برلمانيّة بعد تولّي صاحب السموّ أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله مقاليد الحكم، فقد حدّد سموّه موعد إجراء الانتخابات في نفس الوقت الذي تمّ فيه اتخاذ القرار الدستوري بحلّ مجلس الأمّة، وهذا ليس بغريب عن صاحب السموّ الذي احتكم أولا وأخيرا إلى الدستور تعبيرا عن إرادة الشعب الكويتي وتعزيزا للممارسة الديمقراطية في البلاد.
ولا شكّ أنّ ما تشهده الساحة الكويتيّة اليوم من تكريس لنهج الحوار وحريّة التعبير في تناول مختلف القضايا التي تشغل البلاد مهما كانت حساسيّتها يُعدّ ظاهرة صحيّة، حيث أضحى الخوض في أدقّ تفاصيلها أمرا متاحا للصحافة ولسائر أبناء الشعب الكويتي على أساس الوضوح والشفافية الكاملة، بما جعل أشهر المنظمات الدولية الناشطة في مجال حريّة الإعلام وحقوق الإنسان تُقرّ من باب المصداقيّة بأجواء الحريّة التي تتميّزّ بها دولة الكويت في المنطقة، ومن بين تلك المنظمات على سبيل الذكر لا الحصر منظمة "فريدوم هاوس" المعروفة التي صنّفت الكويت مؤخّرا البلد العربيّ الأوّل تمسّكا وتكريسا لحريّة الصحافة والتعبير.
ومن ثمّة، فإنّه من الطبيعي أن تعكس أجواء هذه المحطّة الانتخابيّة التاريخيّة تعلّق جميع أبناء الكويت بصون مكتسباتهم الدستوريّة والمدنيّة والمضيّ قدما في مزيد تفعيل مسارهم الديمقراطي..
* مدير المكتب الإعلامي الكويتي بتونس